إنَّ مَثَل المترجِم في انتقاء الألفاظ وترتيبها كمَثَل فنَّان يمزج الألوان فيصنع منها لوحة بديعة. وكما أن هذا الفنان ما كان ليرسم هذه اللوحة البديعة إلا إذا كان يُجيد المزج الدقيق بين الألوان ويُحسِن تنسيقها، فإن المترجم كذلك لا بد أن يكون دقيقًا في انتقاء الألفاظ والعبارات بارعاً في تنسيقها حتى تأتي ترجمته بليغةً خاليةً من أي عُجمة أو إبهام.
ولبلوغ تلك الغاية، على المترجم أن ينتبه إلى عدة أمور، على رأسها المتلازمات (أو المتصاحبات) اللفظية (Collocations) التي يُقصد بها تكرار مجيء لفظ معين مع لفظ آخر أو أكثر. وهذا الاقتران اللفظي ظاهرةٌ لا تكاد تخلو منها لغة، وهو وجزءٌ لا يتجزأ من بلاغة اللغة وبيانها. ويُعرِّف د. حسن غزالة المتلازمات اللفظية بأنها «عبارات بلاغية متواردة مؤلفة عادة من كلمتين، وأحياناً من ثلاث أو أكثر تتوارد مع بعضها عادة وتتلازم في اللغة … فهي عبارات شبه ثابتة يستخدمها أهل اللغة بديهياً ولا يستشعرون وجودها إلا إذا أُسيء استخدامها».
ومثال ذلك كلمة «طويل» التي يمكن أن يتكرر اشتراكها مع كلمات مثل: رجل، ونبات، وطريق ولكنها تستعصى على الاقتران أو الاشتراك مع كلمة «جبل» فلا يمكن أن نقول: «جبل طويل»، ولكن يجب أن نقول: جبل عالٍ أو شاهق. ولا نقول في لغتنا العربية مثلًا «رجل جميل» لأن هذه الصفة لا تتفق مع كلمة رجل، وإنما تتفق مع كلمة امرأة، فنقول «امرأة جميلة ورجل وسيم»، كما نقول في الإنجليزية to make a journey ولا يمكن أن نقول to make a walk ولكن نقول to take a walk، ولا علاقة لهذا بقواعد اللغة العربية أو الإنجليزية وإنما يرجع الأمر في ذلك إلى اتفاق المتكلمين باللغة واصطلاحهم على ذلك.
وتحدَّث د. محمد عناني عن هذا الارتباط بين لفظتين أو أكثر فقال إنه «لا يستند إلّا إلى العرف، أي ما اصطلح عليه المجتمع، وإن كان له سند من الاستعارة (ومن المنطق بطبيعة الحال) … والمترجم مجبرٌ في هذه الحالة على التَّقيُّد بالمصطلح الشائع في اللغة التي ينقل إليها، لأن الترابط بين الكلمات والتعبيرات المختلفة من خصائص كل لغة على حدة».
وعجزُ المترجم عن إيجاد هذا التوافق قد لا يحول دون إيصال الرسالة ونقل المعنى إلى القارئ، ولكنه سوف يُسفر عن تراكيب اصطناعية لا يُقرُّها ذوق أصحاب اللغة وتبدو لهم شاذة وغير مستساغة، فعبارة مثل good reason قد يترجمها مترجمٌ مبتدئٌ إلى «سبب جيد» وحينئذ سيفهم القارئ العربي ما يقصده المترجم، ولكن هذه العبارة لو تُرجِمت إلى «سبب وجيه» فستعطي النص رونقًا وبهاءً. وكذلك إذا أخطأ المترجم مثلًا في نقل عبارة «مُدخِّن شره» إلى اللغة الإنجليزية فقال «big smoker» بدلًا من «heavy smoker» فإن القارئ الإنجليزي سيفهم مراد المترجم ولكنه سيشعر في الوقت نفسه بأن المترجم غير متمكن من صياغته ولن يتردد في الحكم على الترجمة بالركاكة.
وينبغي ألا يُفهَم من تسميتها بالمتلازمات أنَّ كلَّ العبارات تلزم حالةً واحدةً لا تحيد عنها، فإنَّ بعض المتلازمات يتَّسم بشيء من المرونة لا سيّما في لغة غنيَّة بالتَّرادف مثل لغتنا العربيَّة، فعبارة مثل He drew his sword تقابلها في لغتنا عبارة «اسْتَلَّ سيفه»، إلّا أنَّ ذلك لا ينفي وجود متلازم آخر – وإن كان أقل بلاغةً وجمالًا – هو «سَحَبَ سيفه». ولكن توجد حالات من التَّوافق لا تصحُّ فيها سوى كلمة واحدة، منها مثلًا العبارات التي تصف أصوات الحيوانات: فالزَّئير للأسد، والعُواء للذِّئب، والنُّباح للكلب، والمواء للهِرَّة، والصهيل للفرس، والنَّقْنَقَة للدجاجة، والسَّقْسَقَة للعُصفور، والنَّقِيق للضِّفدع، وهَلُمَّ جَرّا. ومنها أيضًا الصفات الأصلية للألوان، فنقول: «القطن أبيض ناصع، والزَّهر أصفر فاقع، والدم أحمر قانٍ، والليل أسود حالِك، والزَّرع أخضر ناضِر، والجدار أزرق زاهٍ».
ومِنْ ثمَّ ينبغي للمترجم ألّا يألو جهدًا في البحث عن اللفظ الملائم وإيجاد التوافق المناسب للكلمات في نصه مهما عانى في سبيل ذلك من مشقَّة. ومن المصادر العربية التي يمكن أن يرجع إليها المترجمُ في هذا الصدد كتاب «فقه اللغة» لأبي منصور الثعالبي، وكتاب نجعة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد، لإبراهيم اليازجي: وهو أول معجم من نوعه عن المترادفات والمتواردات (أو المتلازمات).
ومن المعاجم الثُّنائية اللغة التي يمكن الاستعانة بها في رحلة البحث عن لفظة متلازمة مناسبة قاموس دار العلم للمتلازمات اللفظية، للأستاذ الدكتور حسن غزالة، الذي يحتوي على نحو اثني عشر ألف مادة رئيسية باللغة الإنجليزية ينضوي تحتها أكثر من مائة وعشرين ألف متلازم لفظي، تُرجِمت إلى ما يربو على مائة وخمسين ألف متلازم لفظي عربي. وهناك أيضًا مُعجم الحافظ للمتصاحبات العربية، للدكتور الطاهر بن عبد السلام هاشم حافظ، وقد أفرد هذا المعجم لكل تركيب مدخلًا خاصًّا به، مُرتّبًا ترتيبًا أبجديًّا، وأضاف شروحات، واغتنى بأمثلة عربية توضح كيفية استخدام التركيب.